الدرس الثالث :
يتبع .. التدرج في التنزيل ( 2) :
5- من الفوائد – أيضًا – تثبيت قلب النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) :
كان الرسول ( صلى الله عليه وآله ) محبًّا للناس ويريد هدايتهم جميعًا
ولكن البعض منهم كان يأبى ، فكان ( صلى الله عليه وآله ) يتأثر وتتأذى روحه بسبب ذلك الإعراض قال تعإلى :
- إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص : 56] .
- { طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى } [طه : 1 و 2 و 3] .
- { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً } [الكهف : 6] .
- { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [الشعراء : 3] .
- { فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [فاطر : 8] .
فكان الإنزال التدريجي إمداداً معنوياً مستمراً له ( صلى الله عليه وآله ) .
والآن أترككم مع الآيات المباركة ليتضِّح الموضوع أكثر :
أ- التثبيت :
- { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } [الفرقان : 32] .
ب- غرس التصبُّر والتذكير بسيرة الصابرين :
- { وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } [المزّمِّل : 10] .
- { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ } [الأحقاف : 35] .
ج- إذهاب الحزن : { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [يونس : 65] .
ويستمرُّ القرآن الكريم بتسلية الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) قائلاً له أن الكافرين لا يجرحون شخصه ولا يتهمونه بالكذب لذاته وإنما عنادًا للحقّ ، وخوفًا على دنياهم التي حصّلوها بغير وجه حقّ ؛ كما في قوله تعإلى : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ } [الأنعام : 33] .
6- تجدُّد الأسئلة يحتاج إلى تجدُّد النزول :
إن تجدُّد الإشكالات والشبهات والتمثيلات والمغالطات والاستهزاء والأسئلة تتطلّب تجدُّد الردود والإجابات والتوضيحات :
وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان : 33] .
أولاً - الردّ على عبدة الأصنام :
1- الشرك في العبادة :
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر : 29]
أي : أيهما أفضل : العبد الذي له سيدٌ واحد ويعرف كيف يرضي سيده ، أم ذلك العبد المملوك لعدة أشخاص ، وكل واحدٍ منهما يطلب منه شيئًا خلاف الآخر ؟
2- الشرك في الربوبية والتدبير :
أ- { ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [النحل : 75] .
أي : أيهما أفضل : العبد المملوك الذي لا يقدر على فعل شيىء ( كالصنم الذي يعبده المشركون ) أم ذلك الحرُّ القادر القويُّ الذي يبسط خيره على الجميع ( كالله سبحانه ) ، فأيهما الأقدر على التدبير ؟
ب- { ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [الروم : 28] .
أي : يا من تجعلون لله الشركاء ، هل تقبلون بأن يشارككم أحدٌ في أموالكم وممتلكاتكم ؟
إنكم ترفضون ذلك ، فلماذا ترتضون لأنفسكم التفرّد في التصرّف والتدبير ، ولا ترتضون ذلك لله ؟
{ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [النحل : 76] .
ثانيًا : الردّ على المشركين من اليهود :
يتميّز اليهود بقسوة القلب والبخل والجرائم ، أما الشرك فهو الشرك العملي
ثالثًا : الردّ على المشركين من النصارى :
ادّعوا أن النبي عيسى ( عليه السلام ) إلهٌ فقال بعضهم أنه هو الله :
{ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [المائدة : 17] .
فالذي صُلِبَ – كما يزعمون – لا يمكن أن يكون إلهًا وإلا لما أمكن صَلبُه .
وقال البعض أنه ابن الله :
{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [التوبة : 30] .
، وزعموا ذلك لأنه ( عليه السلام ) ولد من غير أب . فردّ عليهم القرآن :
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [آل عمران : 59] .
أي بحسب هذا المنطق يكون آدم ( عليه السلام ) أولى بالألوهية كونه من غير أبٍ وأمٍّ .
ج- الردّ على إنكار البعث :
جاء أُبَيُّ بن خلف فأخذ عظمًا باليًا من حائط ففتّه ثم قال: يا محمَّد إذا كنّا عظاما و رفاتا أإنا لمبعثون ، من يحيي العظام وهي رميم ؟
فنزلت : { أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [يس :77و 78 و 79] .
أي أنّ إعادة تركيب الشيىء الموجود أسهل من إيجاد الشيىء من العدم .
قال الأمير ( عليه السلام ) :
( .. وَعَجِبْتُ لِمَن أَنْكَرَ النَّشْأَةَ الاُْخْرَى، وَهُوَ يَرَى النَّشْأَةَ الاُْولَى .. ) [ نهج البلاغة ، ج4 ، الحكم القصار : 121 ]
( راجع تفسير العياشي ، ج2 ، ص 296 ، ح 89 )
(( والسور المكية كثيرة الردِّ على مثل هذه الإشكالات ، ومن أراد المزيد فليراجع سورة الأنعام التي تصدّت - بشكل محوري - لمثل هذه الأمور )) .
_________ __________
ــــــــــــــــــــــ أسئلة ـــــــــــــــــــــــــ
س1 : ما مقدار السنوات التي استمر فيها نزول القرآن الكريم ؟ كم سنة بمكة وكم سنة بالمدينة ؟
س2 : هل ترى تفاوتاً في الأسلوب – من حيث القوة والضعف – بين السور والآيات النازلة في بداية البعثة النبوية وبين تلك النازلة في آخرها ؟
س3 :ما فائدة النزول التدريجي للقرآن ؟ واذكر آيتين توضحان ذلك .
س4 : ما فائدة ( أسلوب التدرّج ) في عمليتي التربية والتغيير ؟
س5 : ما علاقة التدرّج بتجدد الشبهات والأسئلة ؟
س 6 : اذكر نموذجًا واحدًا استخدم القرآن في تحريمه أسلوب التدرّج .